"ثمة شيئان لا يمكن للمرء التحديق فيهما الموت والشمس"، هكذا تقول الحكمة التي يبدو أن صاحبها نسي أن هناك من يقضي سحابة أيامه وسط الموتى دون أن يدغدغ الموقف أحاسيسه أو يذرف دمعا أو حتى يشعر برعشة الخوف في حضرة الفناء.

تعتبر مهنة حفار القبور من المهن "الشريفة" التي لا يمكن الاستغناء عنها بصفة مطلقة، وذلك بالنظر إلى حساسية المهام التي يتولاها الحفار وما يبذله من جهد لصون كرامة الإنسان بعد مماته وتهيئة مستقره الأخير، إذ تتطلب المهمة قوة وصبرا كبيرين.

مدينة "منزل عبد الرحمان" من ولاية بنزرت تمثل حالة إستثنائية مقارنة بالعديد من المناطق الأخرى في كامل تراب الجمهورية أين مازالت مهمة حفر قبر الميت ودفنه تتم بصفة تلقائية ومجانية من طرف أشخاص بسطاء وهبهم الله نعمة العطاء وحب المساعدة.
*عم حبيب حاج سالم شهر " با" وزميله ورفيق دربه "شهاب الحشاني وعم شكري الماطري ، وحمزة قارعلي (العمدة)  كل هؤلاء وهبوا أنفسهم منذ اكثر من 20 سنة  للقيام بهذا العمل الشاق والمضني الذي كسبوا منه الأجر الرباني المطلوب، وكسبوا أيضا محبة الناس،  هم الآن أشهر من نار على علم في العديد من المناطق والقرى المجاورة التي يستنجد بهم اهاليها لمساعدتهم والتخفيف عنهم من خلال التشمير عن سواعدهم والتطوع لحفر القبور وتوفير الصفائح بشكل مجاني وأحيانا يحصلون على بعض المساعدات المادية ( كل على قدر امكانياته) بصفة تلقائية وليس بطلب منهم حسب قولهم.  

* مراسل إي أف أم بالجهة رضا علال تحدث معهم واستفسرهم بالخصوص في موضوع كثر حوله "القيل والقال" في السنوات الاخيرة هل أنهم يعملون بصفة مجانية أم بمقابل مادي مشروط ؟
 فقالوا بكل تأثر وعلامات الحزن بادية على وجوهم "نحن نعمل لوجه الله خالصا "كما قال الله تعالى "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا" ولا نبغي من وراء هذا العمل سوى كسب أجر العمل الخيري الإحساني المجازى عنه بالثواب الرباني ولكن لهؤلاء الاشخاص نقول "حسبنا الله فيمن ظلمنا وقال ما ليس فينا"، وأضافوا: "نطلب من اصحاب النفوس "المريضة" أن يتركونا نعمل في حالنا فلقد ضاق بنا ذرعا كلامهم عنا ونقول لهم اتقوا الله فينا لأننا نخاف ان يأتي علينا وعليكم يوما لا نجد فيه من يؤدي هذه المهمة حتى بمقابل مشروط ".