في صباحات أول أيام عيد الفطر، حين تتعالى تكبيرات العيد من المساجد وتنبض القلوب بفرحة اللقاء، تتزين موائد العائلات في الوطن القبلي بأشهى الأطباق التقليدية، يتصدرها طبق "الملوخية" الشهير، يرافقه "الخبز المبسس"، في مشهد يعكس عمق التراث وتشبث الأهالي بجذورهم.

الملوخية.. رمز البركة والبدايات السعيدة

يعتبر طبق الملوخية أكثر من مجرد وجبة في الوطن القبلي؛ فهو طقس سنوي ينتظره الجميع بشغف، خاصة في أول أيام العيد. يُطهى هذا الطبق بدقة عالية، حيث تنقع أوراق الملوخية اليابسة وتُطحن، ثم تُطهى مع زيت الزيتون واللحم، وتترك لساعات طويلة على نار هادئة، حتى تكتسب لونها الداكن ونكهتها العميقة.

تقول السيدة خديجة، وهي ربة بيت من نابل:"لا يمكن أن يمر أول يوم في العيد دون ملوخية. نُحضرها منذ الليلة السابقة، ونعتبرها أكلة البركة التي تجمع العائلة حول مائدة واحدة."

الخبز المبسس.. لمسة تقليدية بطعم الأصالة

يُحضَّر الخبز المبسس، المعروف أيضًا بـ"خبز الدار"، يدويًا في معظم البيوت القبلية، باستعمال دقيق الشعير أو القمح، ويُبسّس بزيت الزيتون أو الزبدة البلدية، ويُطهى في الفرن التقليدي أو "الطابونة". يتميز هذا الخبز بقشرته المقرمشة ونكهته الترابية، ويُقدَّم إلى جانب أطباق العيد أو يُتناول صباحًا مع العسل وزيت الزيتون.

النكهة التي لا تغيب عن الذاكرة

اللافت أن هذا التقليد لا يزال حاضرًا بقوة حتى في المدن الكبرى بالوطن القبلي كالهوارية وسليمان وقرنبالية وبني خيار. فحتى الجيل الجديد رغم انجذابه للوجبات الحديثة، يحتفظ بمكانة خاصة للملوخية والخبز المبسس في ذاكرته وموائد أسرته.

تراث يتحدى الزمن

في ظل التغيرات الاجتماعية وسرعة الحياة، تبقى الملوخية والخبز المبسس عنوانًا للانتماء والهوية الثقافية في الوطن القبلي، وشاهداً على أن بعض العادات تتجاوز فكرة الطعام، لتصبح طقساً يحمل الحنين، الدفء، ونكهة العيد.

في الوطن القبلي، لا يبدأ العيد إلا حين تعبق البيوت برائحة الملوخية، وتُكسر أول لقمة من الخبز المبسس وسط ضحكات العائلة ولمّتها. هي تقاليد تتوارثها الأجيال، وتثبت أن الذوق الشعبي لا يعرف الزوال.

تقرير منتصر ساسي