موروث متجذّر في الذاكرة الشعبية
في أزقّة المدينة القديمة ومداخل الأسواق الشعبية، تصطف العربات الخشبية المزيّنة بالجلود والحديد، تجرّها خيول تربّت في حضن العائلة منذ أجيال.
يقول أحد سائقي الكاليص، وقد جاوزت خبرته الثلاثين عامًا:
"أنا نخدم بالكارو من وقت اللي كنت صغير. نخرج كل صباح، نركّب الناس للسوق والبلاد، نعاون الصغار والكبار. حتى لو المردود بسيط، دينار ولا أقل، المهم نخدم بعرق جبيني."
ويضيف آخر بابتسامة تعبق بالحنين:"العربة هذي ورثناها عن جدودنا، ما نبدلهاش لا بتاكسي ولا بموتور. فيها بركة، وفيها حنين. كل حيّ وكل زقاق يعرف صوت الحصان متاعي".
بين الصمود والتحديات
ورغم انحسار استعمال "الكارو" في أغلب المدن التونسية مع انتشار سيارات الأجرة والنقل الجماعي، فإنّ سكان قرمبالية ما زالوا يعتبرونها وسيلة ضرورية للحركة، تربطهم بالأسواق والأحياء المجاورة، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى خطوط النقل المنتظمة.
يؤكد أحد الحرفيين أنّ هذه العربات ليست مجرد وسيلة نقل، بل مورد رزق لعائلات بأكملها:
"نوصل الناس للديار متاعهم، نرجع آخر النهار متعب لكن فرحان. نخدم خدمة نظيفة وشريفة."
نشاط منظم ورقابة متواصلة
ورغم بساطتها، فإنّ نشاط عربات الكاليص في قرمبالية يخضع إلى رقابة أمنية وصحية وبيئية منتظمة، لضمان سلامة المواطنين واحترام معايير النظافة وسلامة الحيوانات.
كما يتمتع الراكبون بتأمين يغطي تنقلاتهم داخل المدينة، في خطوة تُبرز الطابع المنظم والمسؤول لهذا النشاط التراثي، الذي صمد رغم التحولات الاقتصادية والاجتماعية.
تراث يحتاج إلى رؤية جديدة
يتفق كثيرون على أنّ "الكارو" لم يعد مجرّد وسيلة بدائية، بل رمز تراثي وثقافي يحتاج إلى تثمين.
ويرى بعض المهتمين بالشأن الثقافي أن هذا الموروث يمكن أن يتحوّل إلى عنصر جذب سياحي من خلال إدماجه في مسارات سياحية محلية ومشاريع ثقافية تحافظ على الهوية وتدعم الاقتصاد المحلي.
ذاكرة حيّة في مواجهة النسيان
تظل عربات الكاليص في قرمبالية شاهدة على قدرة الإنسان البسيط على التكيّف مع الزمن، وعلى إصراره في الحفاظ على روح الأصالة وذاكرة المكان، رغم ضغوط الحداثة وتحديات الواقع الاجتماعي والاقتصادي.
تقرير: منتصر ساسي
Address: Immeuble Louati 4e étage Lot 6.5.9
Les Jardins du Lac - Tunis - Tunisie
Tél: +216 70 016 020
E-Mail: contact@ifm.tn