
الحمامات: عم عمر ساعاتي الحمامات… خمسون سنة من ضبط الزمن ومهنة تبحث عن وريث
مهنة الزمن في مواجهة العصر الحديث
يقول عم عمر وهو يفحص إحدى الساعات القديمة بحرص شديد:
"الوقت هو نفسه، لم يتغير والذي تغير هو تعامل الناس معه. في الماضي، كان الشخص يعتز بساعة يده وكأنها جزء من هويته، أما اليوم، فكل شيء أصبح سريعًا، والساعات التي كانت تُصلح أصبحت تُرمى وتُستبدل."
يستذكر العم عمر بداياته عندما كان يتعلم هذه المهنة على يد والده، في وقت كانت الساعات رمزًا للهيبة والدقة، وحرفة تصليحها تحتاج إلى مهارة وصبر وإتقان لكنه اليوم يرى المهنة تتراجع، ليس بسبب قلة الحاجة إليها فقط، بل بسبب غياب من يحمل مشعلها.
أزمة الورثة… الشباب لا يريدون تعلم الحرفة
يأسف عم عمر لحال مهنته اليوم، فبعد نصف قرن من العمل، لم يجد من يتولى عنه هذه الصنعة. يقول بحزن:
"كم من مرة حاولت أن أعلّم أحد الشباب أصول المهنة، لكنهم يرونها قديمة أو غير مجدية. اليوم، الجميع يبحث عن أعمال سريعة ومربحة، بينما هذه الحرفة تحتاج إلى صبر ودقة، وهي أمور لم تعد تغري الكثيرين."
ورغم محاولاته المتكررة لنقل خبرته، إلا أن قلة فقط أبدوا اهتمامًا، لكنهم سرعان ما تخلوا عن الفكرة أمام إغراءات الوظائف العصرية أو الأعمال الأكثر ربحًا. ويضيف بأسف:
"في الماضي، كان الأب يحرص على تعليم ابنه حرفة ليضمن له مستقبلًا، أما اليوم فالكل يريد أن يصبح موظفًا أو صاحب عمل سريع النجاح. المهن اليدوية لم تعد تجد من يحملها، وهذه خسارة كبيرة."
مستقبل مجهول لمهنة ضابطي الزمن
بينما يواصل عم عمر تصليح إحدى الساعات القديمة، يدرك أن مهنته قد تواجه خطر الاندثار. ومع ذلك، فهو لا يزال يعمل كل يوم، بإصرار رجل يدرك أن الزمن قد يتغير، لكن قيمته تبقى.
"أنا لا أصلح الساعات فقط، أنا أصلح الذكريات أيضاً… عندما يأتي أحدهم بساعة ورثها عن والده أو جده، وأعيد لها الحياة، أشعر أنني أبعث الماضي من جديد. ولكن السؤال الذي يؤرقني: من سيواصل هذا العمل بعدي؟"
إلا أنه وفي ظل التطور التكنولوجي والاعتماد المتزايد على الهواتف الذكية لمعرفة الوقت، يواجه مهنيو الساعات تحديات كبيرة. وبينما تتلاشى هذه الحرف شيئًا فشيئًا، يبقى عم عمر مثالًا للحرفي الصبور، الذي لا يزال يقاوم، حتى وإن كان الزمن يمر دون أن يترك خلفه وريثًا للمهنة.
تقرير منتصر ساسي