
عندما تصبح "الكرديانة" فرصة لتقوية الروابط الاجتماعية بالوطن القبلي
ويتركّب هذا الطبق التقليدي من مكونات بسيطة تُمثل عمق الذكريات وروح الماضي إذ يجمع بين البيض والسكر والخل وماء الزهر وقليل من عصير الليمون للحصول على تركيبة لا تحتاج إلى تعقيدات تذكر وتُظهر براعة الصُنع في الوطن القبلي الذي استطاع من خلال بساطته أن يحافظ على قيمة غذائية وثقافية تُوصَل من جيل إلى جيل.
ساعات ما قبل الإفطار تتحول أزقة قليبية وبالأخص أحياء منزل تميم، إلى مسرح حقيقي للبهجة والمنافسة الودية حيث يخرج الشباب والأطفال والكهول من بيوتهم ليتجمعوا حول أوانيهم المختلفة والمخصصة لخلط مكونات الكرديانة يدويًا.
في مشهد يفيض بالحماس والفرح يتسابق المشاركون لإعداد الحلوى الأكبر حجمًا والأكثر جاذبية مما يجعل من هذه اللحظات فرصة فريدة لتعزيز الروابط الاجتماعية وتأكيد قيمة التعاون بين أفراد الحي.
وقال أحد المشاركين في تحضير الكرديانة إن العملية ليست مجرد طبخ بل هو لقاء يجمع العائلة والجيران في لحظات تكرس قيم التعاون والمودة والاحتفال بالحياة.
ورغم انتشار الحلويات الجاهزة ووسائل الطهي الحديثة إلا أن الكرديانة أو المركوضة، مثلت صمود التراث أمام كل ما يشهده المطبخ من تطور في الخدمات والمذاق لتحافظ على أصالتها وعالمها الخاص اذ لا يزال الشغف بالحفاظ على هذه الحلوى التراثية قائمًا بقوة حيث يبذل الشباب جهودًا لإحياء هذا العرف الرمضاني الذي أصبح هوية الجهة.
وتتعدى "الكرديانة" كونها مجرد حلوى فهي تعكس روح الهوية والحنين إلى الماضي وتحمل في طياتها ذكريات الفرح والأوقات الجميلة التي تجمع العائلات والأصدقاء ومع حلول كل رمضان تُستعاد الذكريات وتُروى قصص الأجداد الذين مروا بتلك اللحظات الفريدة مما يجعل من تحضير الكرديانة احتفالاً حقيقياً بإرث لا يُقدَّر بثمن في النهاية تبقى المركوضة أو الكرديانة شاهدة على عمق تراثنا وروح التضامن الاجتماعي الذي يميز المجتمع التونسي ويُعيد لكل رمضان نكهة خاصة تعكس أصالة الماضي ودفء الحاضر.