
توجه السويداء نحو الانفصال ليس سوى البداية.. فشل دمشق في احتواء الأزمات يفتح الباب أمام " الفيدرالية"
في تطور غير مسبوق في المشهد السوري المتأزم، دعا الشيخ حكمت الهجري، المرجع الروحي الأعلى لطائفة الموحدين الدروز في سوريا، المجتمع الدولي إلى دعم إعلان إقليم منفصل لطائفته في السويداء، محذرًا من أن ما تشهده البلاد من مجازر وانتهاكات لم يعد يحتمل التأجيل أو الصمت.
هذه الدعوة العلنية للانفصال تأتي عقب سلسلة من الأحداث الدامية التي شهدتها محافظة السويداء في يوليو الماضي، وراح ضحيتها أكثر من 1600 قتيل، معظمهم من المدنيين الدروز، في مشهد أعاد إلى الذاكرة مشاهد الدم من مجازر الساحل السوري وانتهاكات شمال شرق البلاد.
وما بين التهديد بتهجير الأقليات وتهميشهم، والصمت الحكومي الذي يكاد يرقى إلى التواطؤ، تتعمق فجوة الثقة بين المركز في دمشق والمجتمعات المحلية في الأطراف، ما يعزز احتمالات التفكك التدريجي للدولة السورية كما نعرفها اليوم.
واشارت تقارير اعلامية سورية أن الخيار الفيدرالي بات الحل السياسي الوحيد القابل للتطبيق في سوريا، بعد فشل النظام المركزي في إدارة التعددية الاجتماعية والسياسية، لا سيما في المناطق ذات الغالبية الكردية أو الدرزية.
ويقول المحلل السياسي الدكتور نزار خليفة، الأستاذ في العلوم السياسية بجامعة باريس: "السلطة المركزية في دمشق لم تعد قادرة على ضمان الحد الأدنى من الأمان أو التمثيل العادل للمكونات السورية. ما نشهده اليوم في السويداء وقبله في شرق الفرات، ما هو إلا نتاج لسياسة الإنكار التي تنتهجها الحكومة تجاه مطالب الفيدرالية واللامركزية".
وأضاف أن "تجربة الأكراد في الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا، رغم كل ما شابها من تحديات، أثبتت قدرة المجتمعات المحلية على تنظيم نفسها في غياب الدولة، وهي تجربة قد تتحول قريبًا إلى نموذج دائم مع تراجع سيطرة دمشق وفشلها في استيعاب التنوع السوري".
وفي موازاة تحركات السويداء، يبرز الملف الكردي بقوة على الساحة. فـ"الإدارة الذاتية" التي تقودها قوات سوريا الديمقراطية، تفرض واقعًا إداريًا وأمنيًا منفصلًا عن دمشق منذ سنوات، ويبدو أن إعلان الانفصال الرسمي عنها أصبح مسألة وقت فقط، خصوصًا في ظل الانسداد السياسي القائم.
وقال المحلل الكردي هفال رشيد إن "دعوة السويداء للانفصال أعطت شرعية إضافية للطرح الكردي، وأكدت أن المشكلة لم تكن في طموحات الأكراد فحسب، بل في تركيبة الدولة السورية ذاتها".
وأضاف: "دمشق ما زالت تتحدث بلغة ما قبل 2011، في حين أن الواقع تغيّر بالكامل، وهناك حاجة لتأسيس نظام فيدرالي حقيقي يُنهي المركزية القاتلة ويضمن حماية المجتمعات المهمشة".
واللافت أن الانتهاكات لم تقتصر على السويداء وحدها، بل سبقتها مجازر موثقة في مناطق الساحل السوري، إضافة إلى حملات اعتقال وتصفية بحق المدنيين في الشرق السوري، ما يعزز المخاوف من وجود سياسة ممنهجة تهدف إلى تقليص دور الأقليات أو القضاء عليها.
ولا يزال الغموض يكتنف الطرف المسؤول عن هذه الانتهاكات، فبينما تلتزم الحكومة السورية الصمت، تشير تقارير إلى أن العديد من العناصر المتورطة تتبع رسميًا لوزارتي الدفاع والداخلية، مما يثير تساؤلات حول مدى تورط الدولة، إما بالفعل أو بالإهمال.
وفي هذا السياق، يقول الباحث السياسي جلال محمد: "حتى لو افترضنا أن هذه الانتهاكات ارتكبت بشكل فردي من عناصر خارجة عن القانون داخل المؤسسات الأمنية، فإن مسؤولية الدولة تظل قائمة، لأن فشلها في ضبط تلك العناصر يعادل تورطها المباشر".
والنتيجة ، تفكك صامت تحت مظلة مركزية وهمية
الواقع أن الدولة السورية تتآكل من أطرافها، لا بسبب المؤامرات الخارجية كما تروج الرواية الرسمية، بل نتيجة فشل داخلي متراكم في الاستجابة لتطلعات المكونات المختلفة، ورفضها لأي مسار إصلاحي جاد نحو الفيدرالية.
إن ما يحدث في السويداء اليوم، وما حدث بالأمس في مناطق الأكراد، وما قد يحدث غدًا في مناطق أخرى، ليس سوى مؤشر واضح على أن سوريا ما بعد 2025 لن تشبه سوريا ما قبل 2011، وأن المركزية، بغياب الشفافية والمساءلة، لم تعد خيارًا، بل عبئًا على وحدة البلاد وبقائها.