السودان ينشد من ظلمة "النزاع" سلاما أبديا
ورغم ذلك، تقترب الحرب من إكمال عامها الثالث على التوالي، ما يعني أن الوساطات تتطلب جهدا وضغطا كبيرين من المجتمع الدولي، لوضع حد لمعاناة الشعب المنهك.
وعلى المستوى الداخلي، لاقت حملة «سيف سودان – أوقفوا الحرب » تفاعلا واسعا من السودانيين على منصات التواصل الاجتماعي عبروا من خلالها عن مطالباتهم بضرورة وقف الحرب الدائرة في البلاد.
الحملة التي أطلقت 31 أكتوبر 2025، وحملت شعار حمامة بيضاء بألوان علم السودان وتحتها عبارة «سيف سودان – أوقفوا الحرب »، أشارت إلى أن عامين ونصف من الجحيم عاشها الشعب السوداني تحت نار حرب، حصدت الأرواح ودمرت المدن وشردت الملايين.
وأشارت أصحاب الحملة في بيان، إلى أن "الحرب خلفت الموت والدمار والجوع والمرض والفقر وأجبرت الناس على ترك بيوتهم ودفن أحبتهم في أراض غريبة ليست أرضهم بينما تحولت القرى والمدن العامرة إلى رماد وذكريات."
وأكدوا أن كل "يوم تمضي فيه هذه الحرب تزداد بشاعة ووحشية." ووجهوا دعوة "صريحة إلى إيقاف الحرب فورا." وأكدوا أن "هذه الحرب لم تجلب سوى العذاب والشقاء لشعب يستحق أن يعيش في سلام وكرامة."
تعاط رسمي
وتزامنت هذه الحملة، مع خطاب رسمي، وجهه رئيس حكومة تحالف السودان التأسيسي "تأسيس" محمد حسن التعايشي، إلى الشعب السوداني بمناسبة تحرير الفاشر.
وأكد التعايشي، وقف فوري وغير مشروط للحرب، وفقا لما طرحته الآلية الرباعية ( الولايات المتحدة الأمريكية _ الإمارات العربية - المملكة السعودية - مصر).
ودعت الرباعية منتصف سبتمبر 2025، إلى إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر في السودان، يليها وقف دائم لإطلاق النار وفترة انتقال تمتد تسعة أشهر تفضي إلى تشكيل حكومة مدنية.
وشددت على أن هذه العملية الانتقالية يجب أن تكون “شاملة وشفافة” وأن تنتهي ضمن المهل المحددة بغية “تلبية تطلعات الشعب السوداني نحو إقامة حكومة مستقلة بقيادة مدنية تتمتع بقدر كبير من المشروعية والقدرة على المساءلة”.
وعبر التعايشي في خطابه، و "باسم كل السودانيين الرافضين للحرب والدمار عن تطلعنا لمستقبل مختلف، تُبنى فيه دولتنا على أسس العدالة والحرية والتعدد، ونضع مصلحة أبنائنا في المرتبة الأولى فوق مختلف الولاءات الضيقة. "
وأكد من جديد، " التزام حكومة التأسيس الثابت بالمشروع الوطني الرامي إلى التحرر من نظام المؤتمر الوطني وحركته الاسلامية الارهابية. فالحكومة ماضية في هذا المشروع رغم كل التحديات." وقال إن "حكومة التأسيس وقوات التأسيس ستمضي بقوة وعزيمة الرجال والنساء، وتعمل بكل إخلاص لوضع حد لعهد الظلم والجبروت ونظام الإبادة الجماعية، والوصول إلى رحاب دولة العدالة والمساواة والحرية والديمقراطية."
وتابع: "نؤكد أن المسؤولية التاريخية تقع على عاتق من اختاروا الحرب طريقاً للقهر والدمار، وتجاهلوا معاناة السودانيين في مختلف الأقاليم. لن يثنينا ذلك عن الدفاع عن أنفسنا وشعبنا وتحرير كامل تراب وطننا من الإرهاب."
وجاء في الخطاب: "نخاطبكم اليوم وبلادنا تمر بمنعطف تاريخي، حيث تنكشف تباعا حقائق الحرب الدامية التي فرضها جيش الحركة الإسلامية الإرهابية على شعبنا، رافضين كل دعوات وقف القتال والبحث عن حلول سلمية، مصرين على استمرار دوامة العنف والدماء – وهم من بدأ هذه الحرب وأشعل فتيلها مستعينين بآليات القمع القديمة والاصطفاف الأيديولوجي الضيق."
المساعدات الإنسانية أولوية
التعايشي شدد في خطابه على فتح ممرات إنسانية عاجلة، ودعا الشركاء " الإقليميين والدوليين لمواصلة الدعم للحل السلمي، والتركيز على الجوانب الإنسانية العاجلة، خصوصاً في دارفور والفاشر وغيرها من المناطق المنكوبة."
وتوجه بمناشدة "عاجلة إلى جميع المنظمات الإنسانية للعمل فوراً على تقديم مساعدات الغذاء والدواء والمأوي لكل المحتاجين." وأكد "استعدادنا للمزيد من التعاون والعمل على فتح ممرات جديدة آمنة." ودعا "المنظمات العاملة في مجال المياه إلى التدخل العاجل لتوفير مياه الشرب. "
ترحيب رسمي بالأمميين
وانطلاقا من المسؤولية الأخلاقية تجاه الشعب السوداني عبر الاعتراف بالكارثة الإنسانية، والمجاعة التي تنهش الشعب بسبب الحرب، رحب التعايشي باسم الحكومة، لمدير الإقليمي لبرنامج الغذاء العالمي.
وكانت حكومة الجيش في بورتسودان، قد أعلنت طرد مدير مكتب برنامج الغذاء العالمي بالسودان، لوران بوكيرا، وأبلغته قرار حكومة السودان باعتباره شخصًا غير مرغوب فيه، هو وسمانثا كاتراج، مديرة قسم العمليات، وأنهما مطالبان بمغادرة البلاد خلال 72 ساعة.
وترفض حكومة عبد الفتاح البرهان، الاعتراف بالمجاعة، في خطوة اعتبرها مراقبون، تهربا من مسؤولية الحرب التي تسبب فيها، ورفض إيقافها عبر الإصرار على الحسم العسكري.
ووتهم الولايات المتحدة الأمريكية البرهان، باستخدام الجوع كسلاح، مع منع دخول المساعدات الإنسانية إلى الشعب، وفرضت عليه عقوبات بسبب جرائم الحرب.
وفي تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية خلال يوليو 2024، أشارت إلى أن الجيش السوداني منع إدخال كميات هائلة من المساعدات عبر معبر حدود حيوي، وهو ما يعمق من أزمة الجوع في زمن الحرب. ونقلت الصحيفة عن جماعات إغاثية أن هذه المساعدات ضرورية لمنع حدوث آلاف الوفيات، ومنع إدخال المساعدات من معابر يؤثر على ما لا يقل عن 2.5 مليون سوداني.
وذكرت الرحلة إلى معبر التينة “خطيرة وغير سهلة” وتزيد تكاليف النقل لخمسة أضعاف، ناهيك عن أنه لا يمر إلا جزء بسيط من الشاحنات والمساعدات المطلوبة، فيما يؤكد مسؤولون في الأمم المتحدة أنه بدلا من إدخال آلاف الشاحنات، حولت الأمطار المعبر إلى ما يشبه النهر.
لا أسباب معلنة بعد القرار
في غضون ذلك، كان برنامج الأغذية العالمي قد استغرب من قرار الطرد، وقال إنه "يأتي قرار طرد المدير العام الوطني ومنسق حالات الطوارئ في برنامج الأغذية العالمي في لحظة حاسمة، فالحاجات الإنسانية في السودان أكبر من أي وقت مضى مع مواجهة أكثر من 24 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد".
وقال في بيان إن مسؤوليه الرئيسين في السودان تلقيا أمراً من وزارة الخارجية بمغادرة البلاد الغارقة في الحرب، في غضون 72 ساعة من دون إعطاء أي تفسير. وشدد على أنه "في وقت ينبغي على برنامج الأغذية العالمي وشركائه أن يوسعوا أنشطتهم، يجبر هذا القرار البرنامج على القيام بتغييرات غير متوقعة، الأمر الذي يهدد العمليات التي تقدم مساعدات إلى ملايين السودانيين الذين يواجهون المجاعة". ولفت إلى أن برنامج الأغذية العالمي ومسؤولين كباراً في الأمم المتحدة تواصلوا مع السلطات السودانية للاحتجاج على هذا القرار.







